سورة غافر - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (غافر)


        


{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (18) يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (21) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (22)} [غافر: 40/ 18- 22].
المعنى: خوّف أيها الرسول أهل الكفر من يوم القيامة، ليؤمنوا ويتركوا الشرك والضلال، حيث تكون القلوب في ذلك اليوم كأنها زائلة عن مواضعها من الخوف، وترتفع حتى تصير إلى الحلوق، ويكون أصحابها ممتلئين كربا وغما شديدا، ولا يكون للظالمين الكافرين قريب ينفعهم، ولا شفيع يشفع لهم، أو تقبل شفاعته بهم.
وقوله تعالى: {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ} معناه عند الحناجر، قد صعدت من شدة الهول والجزع.
وهذا يصور حال الرعب والخوف أو الذعر الذي يكون عليه الكفار يوم القيامة، واللّه تعالى يعلم النظرة الخائنة، التي ينظرها الإنسان إلى ما حرّم اللّه عليه، أي يعلم الاختلاسة التي تختلس النظر إلى المحرّم وتسارقه، ويعلم اللّه أيضا كل ما تسرّه الضمائر من أمور خيّرة أو شريرة،. وما تخفيه الصدور من الرغبات والنوايا والخواطر.
والنظرة الخائنة: هي النظرة الثانية، وما تخفي الصدور: أي عند النظرة الأولى التي لا يمكن للمرء دفعها. وقوله تعالى: {يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ} متصل بقوله: {سَرِيعُ الْحِسابِ} لأن سرعة حسابه تعالى للخلق، إنما هي بعلمه الذي لا يحتاج معه إلى رؤية وفكرة، ولا لشيء مما يحتاجه الحاسبون. واللّه يحكم بالحكم العادل، ويجازي كل إنسان بما يستحقه من خير أو شر. وأما الذين يعبدون الأصنام من غير اللّه، فإن أصنامهم لا يتمكنون من القضاء بشيء، أو فلا يحكمون بشيء، ولا يملكون شيئا، لأنهم لا يعلمون شيئا، ولا يقدرون على شيء، وإن اللّه هو السميع لكل شيء من الأقوال والبصير بالأفعال، فيجازي عليها أصحابها يوم القيامة. وهذا وعيد شديد، وتحذير رهيب على أقوالهم وأفعالهم.
ثم أنذر اللّه تعالى الكافرين، وخوّفهم من عقاب الدنيا، بعد أن حذّرهم من عذاب الآخرة، فأرشدهم إلى الاعتبار والاتعاظ بغيرهم، أفلم يمش هؤلاء المكذبون برسالتك أيها النبي محمد، فينظروا مآل الغابرين المكذبين أنبياءهم، وما حلّ بهم من عذاب الاستئصال والانتقام، مع أنهم كانوا أشد قوة من قومك أهل مكة وأمثالهم، وأبقى آثارا، بما عمروا في دنياهم من حصون وقصور، وأشادوا من مدن وقلاع، فأهلكهم اللّه بذنوبهم ومنكراتهم، ولم يكن لهم من اللّه من واق، أي ساتر مانع يقيهم السوء، ويدفع عنهم العذاب. وهذا تحذير شامل للكافرين في كل زمان، حيث يجب عليهم أن ينظروا بما حل بالأقوام الغابرين.
وعلّة هلاكهم وتدميرهم أو أخذهم وإماتتهم: بسبب أن رسلهم كانوا يأتونهم بالحجج الواضحة على الإيمان الحق، فكفروا بما جاءوهم به، فأهلكهم اللّه، ودمر ديارهم عليهم، إن اللّه ذو قوة شديدة، وبطش كبير، وذو عقاب مؤلم جدا، يفعل كل ما يريد، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فهل من متعظ؟
وقوله تعالى: {ذلِكَ} إشارة إلى أخذ اللّه الكفار بذنوبهم، وإن لم يكن لهم منه واق أو حافظ مانع. وسبب إهلاك الماضين هو ما عليه قريش في عصر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، حيث جاءهم رسول من اللّه تعالى، مؤيد بالمعجزات والبراهين، فكفروا به، فأهلكهم اللّه، وقد وصف اللّه نفسه بالقوة وشدة العقاب، وكل ذلك وعيد لقريش وأمثالهم.
موقف فرعون من رسالة موسى عليه السّلام:
إن الصراع الحاد بين الخير والشر، وبين دعوة الإصلاح ومعارضيها أمر قديم في الإنسان، ولكن مهما كانت المقاومة شديدة، فإنه لا يأس ولا قنوط، فقد يهتدي بعض الراشدين العقلاء، ويظل أولو النفوذ والسلطة والمصلحة على غيهم وضلالهم وتمسكهم بمواقفهم، على الرغم من معرفة الحق وقوته، وضعف الباطل وجهالته، وهذا موقف من هذه المواقف التي تتصادم فيها دعوة المصلحين مع مصالح المتسلطين، وهو موقف فرعون من رسالة موسى عليه السّلام، وصف اللّه تعالى هذا الموقف بقوله:


{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (23) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (25) وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (26) وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (27)} [غافر: 40/ 23- 27].
هذه قصة عجيبة في تاريخ الدعوة إلى اللّه تعالى، فيها للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم إيناس وتثبيت وأسوة، وفيها لقريش والكفار وعيد وتخويف وإرهاب أن يحل بهم ما حلّ بأولئك من النقمة، وفيها للمؤمنين وعد، ورجاء بالنصر والظفر وإدراك عاقبة الصبر.
تبدأ القصة بقسم اللّه تعالى أننا: لقد أرسلنا موسى بالمعجزات الدالة على صدقه، وأيدناه بحجة بينة واضحة، مضمونها تحدي فرعون بالعصا واليد وغيرهما من الآيات التسع. أرسلناه إلى فرعون ملك مصر، وإلى هامان وزيره، وإلى قارون كبير الأثرياء في زمانه، فقالوا عنه: إنه ساحر مخادع مجنون، كذّاب فيما زعم أن اللّه أرسله وخص هؤلاء الطغاة بالذكر، لأنهم رؤساء القوم، وغيرهم تابع لهم، وشأن المتسلطين المستكبرين ألا يذعنوا لكلمة الحق والهداية، حفاظا على مراكزهم وقواهم ومكانتهم بين الأتباع.
فلما أتى موسى عليه السّلام بالحق، أي بالبرهان القاطع الدال على أن اللّه أرسله إلى فرعون وقومه، بمعجزاته الظاهرة، قال الطغاة: عودوا إلى قتل الذكور. وترك النساء أحياء، لئلا يكثر جمعهم، ويضعف شأنهم، وما مكر الكافرين وقصدهم تقليل خصومهم إلا في ضياع وذهاب سدى، لا فائدة منه.
وقال فرعون لقومه: دعوني أقتل موسى، وليدع ربه الذي يزعم أنه أرسله إليهم، فليمنعه من القتل إن قدر على ذلك.
وسبب القتل: أني أخشى عليكم يا شعب مصر أن يغير منهاج دينكم الذي أنتم عليه من عبادتي وعبادة الأصنام، ويدخلكم في دينه الذي هو عبادة اللّه وحده، أو أن يوقع بين الناس الخلاف والفتنة والإفساد، فتكثر الخصومات والمنازعات.
والظاهر من هذا الموقف لفرعون: أنه بهر بآيات موسى ومعجزاته، وانهدّ ركنه، واضطربت معتقدات أصحابه، فلجأ إلى التهديد بالقتل. وهذا سلاح الجبّارين المتمكنين من إنفاذ أوامرهم. فإذا اعتز فرعون بجبروته وبطشه وقوته، فإن موسى عليه السّلام اعتصم بالله تعالى، وقال داعيا ربه لما سمع قول فرعون وتهديده له بالقتل لأنه كان معه في مجلس واحد: إني استجرت بالله، وعذت به من شره وشر أمثاله من كل متعاظم متعال مستكبر عن الإذعان للحق، كافر مجرم لا يؤمن باليوم الآخر وما فيه من حساب وجزاء.
واستعاذة موسى من فرعون الذي جمع بين الاستكبار وبين التكذيب بيوم الآخرة والجزاء والحساب، بسبب الجرأة على اللّه تعالى وعلى عباده. وقول موسى: {إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ} لحث قومه على مشاركته في الاستعاذة بالله من شر فرعون وملئه.
وقد ثبت أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا خاف قوما قال: «اللهم إنا نعوذ بك من شرورهم، وندرأ بك في نحورهم».
إن هذه المواجهة الكلامية الساخنة غير متكافئة في عرف الناس، فإن فرعون الملك الحاكم الجبار يعتمد على قوى كثيرة، وجند مدججين بالسلاح، وأما موسى بمفرده أو مع أخيه هارون لا يملكان مثل تلك القوى الظاهرة المادية، ويحكم الناس عادة على الضعيف بالهزيمة، ويغيب عنهم أن الضعيف يتقوى بقوة اللّه تعالى، فيتغلب على جميع القوى بتأييد اللّه تعالى.
دفاع مؤمن آل فرعون عن موسى عليه السّلام:
لقد طاش عقل فرعون وصوابه أمام معجزات موسى عليه السّلام، فلجأ إلى التهديد بقتل موسى عليه السّلام، وزاد من ارتباكه واضطرابه مقالة رجل مؤمن من قومه وما صدع به، فدافع عن موسى بأوجه ثلاثة:
الأول- استنكار قتل موسى المؤمن بربه.
الثاني- تحذير القوم بأس اللّه في الدنيا والآخرة بتكذيب الرسل.
الثالث- تذكيرهم بما فعل آباؤهم الأولون مع يوسف عليه السّلام، من تكذيب رسالته ورسالة من جاء بعده.
وهذا الدفاع من رجل هو من آل فرعون أو من أبناء عمه، كان يكتم إيمانه بالله تعالى، كان له شأنه البعيد في إحباط خطط فرعون، وهو موقف تاريخي خلّده القرآن الكريم، فرضي اللّه عن هذا المؤمن وأمثاله في سجل الخالدين. قال اللّه تعالى واصفا قصة مؤمن آل فرعون:


{وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلاَّ ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشادِ (29) وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (31) وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (34) الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35)} [غافر: 40/ 28- 35].
هذا موقف خالد لرجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه، أثبته اللّه في المصاحف، لكلام قاله في مجلس من مجالس الكفر، وأثنى عليه إلى الأبد، لقد قال هذا الرجل:
كيف تقتلون رجلا لا ذنب له إلا أنه قال: اللّه ربي؟ والحال أنه قد جاءكم بالمعجزات الواضحات الدالة على صدق نبوته ورسالته، فهذا لا يستدعي القتل، فتوقف فرعون عن قتله.
وأضاف الرجل حججا ستا أخرى لتأييد كلامه وهي:
1- إن كان هذا الرجل، أي موسى كاذبا في دعوته، كان وبال كذبه عليه، فاتركوه، وإن كان صادقا في دعواه يصبكم بعض الذي يعدكم به إن خالفتموه من العقاب الدنيوي والأخروي، فاتركوه أيضا في دعوته.
2- لو كان موسى مسرفا متجاوزا الحد في قوله، كذابا في ادعائه النبوة، لما هداه اللّه إلى المعجزات المؤيدة له، ولخذله اللّه وأهلكه.
3- يا قومي، قد أنعم اللّه عليكم بهذا الملك الواسع، وأنتم الغالبون على بني إسرائيل في مصر، فمن الذي يمنعنا من عذاب اللّه إن حل بنا؟! فقال فرعون مجيبا الرجل المؤمن: ما أشير عليكم إلا بما أرى لنفسي، وما أدلكم إلا طريق الصواب الذي يحقق الفوز والغلبة، وهو قتل موسى.
4- وقال المؤمن: إني أخشى عليكم إن كذبتم موسى أن يصيبكم مثل ما أصاب الأقوام الذين تحزّبوا على أنبيائهم، وكذبوا رسلهم من الماضين، مثل عادة قوم نوح وعاد وثمود ومن بعدهم كقوم لوط، فقد حل بهم عذاب اللّه تعالى، ولم يجدوا ناصرا لهم ينصرهم، ولا عاصما يحميهم، ولا يريد اللّه إلحاق ظلم بعباده، فلم يهلكهم بغير جرم شديد أو كبير. وهذا تخويف بالعذاب الدنيوي.
5- ثم خوفهم العذاب الأخروي بقوله: يا قومي، إني أخشى عليكم عذاب يوم القيامة، حين ينادي الناس بعضهم بعضا للاستعانة والاستنجاد، وحين تفرّون هاربين من النار، لا تجدون واقيا ولا عاصما مانعا يعصمكم من عذاب اللّه ويحميكم منه، ومن يضلّه اللّه، فلم يوفقه للرشد والصواب، فلا مرشد له غيره.
6- وأذكركم بأن تكذيب الرسل موروث لديكم من الأسلاف، فلقد بعث اللّه لآبائكم يوسف بن يعقوب بالمعجزات الباهرات الدالة على صدقه، فكذبتموه وكذبتم بمن جاء بعده من الرسل، وما زلتم في شك مما أتاكم به، حتى إذا مات أنكرتم بعثة رسول من بعده، فكفرتم به في حياته وبعد موته، ومثل هذا الضلال وسوء الحال، يضل اللّه كل إنسان لإسرافه في المعاصي وتجاوزه الحدود، وارتيابه في دين اللّه. وهؤلاء المرتابون الذي يجادلون في آيات اللّه الكونية والدينية ليبطلوها، بغير حجة واضحة، كبر أو عظم ذلك الجدل بغضا عند اللّه وعند المؤمنين، لأنه جدال بالباطل، لا أساس له، أما مقت اللّه: فهو العذاب والغضب، وأما مقت المؤمنين: فهو هجر الكفار وترك التعامل معهم.
وكما طبع اللّه على قلوب هؤلاء المجادلين بالباطل المسرفين، فكذلك يطبع أو يختم على جميع قلوب المتكبرين الجبارين.
تحديات فرعون وإصرار الرجل المؤمن في الدفاع عن موسى:
احتدم الجدال بين فرعون والرجل المؤمن من قومه وأتباعه حول شأن موسى عليه السّلام، فلجأ فرعون إلى التحدي الحسي، وإقامة برج شاهق في السماء للاطلاع على إله موسى، مقرا به أولا، ثم مكذبا به ثانيا، وصمم الرجل المؤمن على موقفه المدافع عن موسى عليه السّلام، ونصح قومه ودعاهم إلى الإيمان بالله وحذّرهم من الاغترار بالدنيا، وحثهم على العمل للآخرة لدوامها، وقارن بين دعوته لهم إلى الإيمان بالله تعالى طريق النجاة، وبين دعوتهم إياه لعبادة الأصنام طريق الهلاك والعذاب، وهذا في الآيات الآتية:

1 | 2 | 3 | 4