{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (18) يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (21) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (22)} [غافر: 40/ 18- 22].المعنى: خوّف أيها الرسول أهل الكفر من يوم القيامة، ليؤمنوا ويتركوا الشرك والضلال، حيث تكون القلوب في ذلك اليوم كأنها زائلة عن مواضعها من الخوف، وترتفع حتى تصير إلى الحلوق، ويكون أصحابها ممتلئين كربا وغما شديدا، ولا يكون للظالمين الكافرين قريب ينفعهم، ولا شفيع يشفع لهم، أو تقبل شفاعته بهم.وقوله تعالى: {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ} معناه عند الحناجر، قد صعدت من شدة الهول والجزع.وهذا يصور حال الرعب والخوف أو الذعر الذي يكون عليه الكفار يوم القيامة، واللّه تعالى يعلم النظرة الخائنة، التي ينظرها الإنسان إلى ما حرّم اللّه عليه، أي يعلم الاختلاسة التي تختلس النظر إلى المحرّم وتسارقه، ويعلم اللّه أيضا كل ما تسرّه الضمائر من أمور خيّرة أو شريرة،. وما تخفيه الصدور من الرغبات والنوايا والخواطر.والنظرة الخائنة: هي النظرة الثانية، وما تخفي الصدور: أي عند النظرة الأولى التي لا يمكن للمرء دفعها. وقوله تعالى: {يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ} متصل بقوله: {سَرِيعُ الْحِسابِ} لأن سرعة حسابه تعالى للخلق، إنما هي بعلمه الذي لا يحتاج معه إلى رؤية وفكرة، ولا لشيء مما يحتاجه الحاسبون. واللّه يحكم بالحكم العادل، ويجازي كل إنسان بما يستحقه من خير أو شر. وأما الذين يعبدون الأصنام من غير اللّه، فإن أصنامهم لا يتمكنون من القضاء بشيء، أو فلا يحكمون بشيء، ولا يملكون شيئا، لأنهم لا يعلمون شيئا، ولا يقدرون على شيء، وإن اللّه هو السميع لكل شيء من الأقوال والبصير بالأفعال، فيجازي عليها أصحابها يوم القيامة. وهذا وعيد شديد، وتحذير رهيب على أقوالهم وأفعالهم.ثم أنذر اللّه تعالى الكافرين، وخوّفهم من عقاب الدنيا، بعد أن حذّرهم من عذاب الآخرة، فأرشدهم إلى الاعتبار والاتعاظ بغيرهم، أفلم يمش هؤلاء المكذبون برسالتك أيها النبي محمد، فينظروا مآل الغابرين المكذبين أنبياءهم، وما حلّ بهم من عذاب الاستئصال والانتقام، مع أنهم كانوا أشد قوة من قومك أهل مكة وأمثالهم، وأبقى آثارا، بما عمروا في دنياهم من حصون وقصور، وأشادوا من مدن وقلاع، فأهلكهم اللّه بذنوبهم ومنكراتهم، ولم يكن لهم من اللّه من واق، أي ساتر مانع يقيهم السوء، ويدفع عنهم العذاب. وهذا تحذير شامل للكافرين في كل زمان، حيث يجب عليهم أن ينظروا بما حل بالأقوام الغابرين.وعلّة هلاكهم وتدميرهم أو أخذهم وإماتتهم: بسبب أن رسلهم كانوا يأتونهم بالحجج الواضحة على الإيمان الحق، فكفروا بما جاءوهم به، فأهلكهم اللّه، ودمر ديارهم عليهم، إن اللّه ذو قوة شديدة، وبطش كبير، وذو عقاب مؤلم جدا، يفعل كل ما يريد، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فهل من متعظ؟وقوله تعالى: {ذلِكَ} إشارة إلى أخذ اللّه الكفار بذنوبهم، وإن لم يكن لهم منه واق أو حافظ مانع. وسبب إهلاك الماضين هو ما عليه قريش في عصر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، حيث جاءهم رسول من اللّه تعالى، مؤيد بالمعجزات والبراهين، فكفروا به، فأهلكهم اللّه، وقد وصف اللّه نفسه بالقوة وشدة العقاب، وكل ذلك وعيد لقريش وأمثالهم.موقف فرعون من رسالة موسى عليه السّلام:إن الصراع الحاد بين الخير والشر، وبين دعوة الإصلاح ومعارضيها أمر قديم في الإنسان، ولكن مهما كانت المقاومة شديدة، فإنه لا يأس ولا قنوط، فقد يهتدي بعض الراشدين العقلاء، ويظل أولو النفوذ والسلطة والمصلحة على غيهم وضلالهم وتمسكهم بمواقفهم، على الرغم من معرفة الحق وقوته، وضعف الباطل وجهالته، وهذا موقف من هذه المواقف التي تتصادم فيها دعوة المصلحين مع مصالح المتسلطين، وهو موقف فرعون من رسالة موسى عليه السّلام، وصف اللّه تعالى هذا الموقف بقوله: